همسة في الصف 🤫

كانت الشمس ترسل خيوطها الذهبية عبر نافذة الفصل الكبيرة، تضيء رسومات الفراشات والزهور الملونة على الجدران. جلست مرام في مقعدها، تمسك بقلمها بإحكام وتنظر إلى السبورة. كانت تحب حصة العلوم أكثر من أي شيء آخر، خاصة عندما يتحدث الأستاذ خالد عن أسرار الطبيعة والنباتات.
كانت مرام فتاة ذكية، تملأ رأسها الصغير أفكار ومعلومات تشبه الكنز المخفي. لكن هذا الكنز كان له حارس قوي جدًا… اسمه “الخجل”. كان هذا الحارس يمنعها دائمًا من رفع يدها، ويجعل صوتها يختبئ في أعماقها كلما حاولت الإجابة.
في ذلك اليوم، كان الدرس عن دورات حياة الكائنات الحية. عرض الأستاذ خالد صورة جميلة لفراشة زاهية الألوان، ثم سأل سؤالًا جعل كل التلاميذ يفكرون بعمق 🤔.
“من يستطيع أن يخبرني بالترتيب الصحيح لمراحل نمو الفراشة؟ إنه سؤال صعب قليلًا، فكِّروا جيدًا.”
ساد الصمت في الفصل. نظر التلاميذ إلى بعضهم البعض، ثم إلى السقف، كأنهم يبحثون عن الإجابة بين السحاب.
لكن مرام كانت تعرف الإجابة! لقد شاهدت فيلمًا وثائقيًا عن الفراشات مع والدها في نهاية الأسبوع. كانت الكلمات الأربع ترقص في رأسها بوضوح: بيضة، يرقة، شرنقة، ثم فراشة! 💡
لحظة ضائعة
دق قلب مرام بقوة مثل طبل صغير. “هيا يا مرام، ارفعي يدكِ!” قال لها عقلها. لكن يدها شعرت بأنها ثقيلة جدًا، ولم تستطع رفعها.
جلست بجانبها صديقتها سارة، التي كانت تهمس: “يا إلهي، ما هو الجواب؟ لقد نسيته تمامًا.”
لم تستطع مرام أن تمنع نفسها، مالت نحو سارة وهمست بصوت خافت جدًا، كأنه سر بينهما: “تبدأ بالبيضة، ثم تصبح يرقة، وبعدها تدخل في شرنقة، ثم تخرج فراشة جميلة.”
فتحت سارة عينيها بدهشة، ثم ابتسمت ابتسامة عريضة ورفعت يدها في الهواء بحماس. قال الأستاذ خالد بصوت مشجع: “تفضلي يا سارة!”
وقفت سارة وقالت بصوت عالٍ وواثق: “الجواب هو: بيضة، ثم يرقة، ثم شرنقة، ثم فراشة كاملة!”
أضاء وجه الأستاذ خالد بابتسامة كبيرة وقال: “إجابة رائعة يا سارة! ممتازة! هذا هو الترتيب الصحيح تمامًا.” صفق لها بعض التلاميذ، وشعرت سارة بسعادة كبيرة.
نظرت مرام إلى سارة وهي سعيدة، لكن في داخلها شعرت بشيء غريب… شعرت بأنها غير مرئية. كانت الفكرة فكرتها، والجواب كان جوابها، لكن التقدير والابتسامة ذهبا إلى شخص آخر.
وعد صغير للشجاعة ✊
في طريق عودتها إلى المنزل، ظلت مرام تفكر فيما حدث. فكرتها كانت كالفراشة الجميلة، لكنها أبقتها حبيسة ولم تدعها تطير. أدركت أن خجلها قد حرمها من لحظة جميلة كانت تستحقها.
عندما وصلت إلى غرفتها، وقفت أمام مرآتها الصغيرة وقالت لنفسها بصوت مسموع: “في المرة القادمة، سأكون شجاعة. في المرة القادمة، سأرفع يدي حتى لو ارتجفت. فكرتي تستحق أن تُسمع.” كان هذا وعدًا صغيرًا قطعته لنفسها.
يد ترتفع أخيرًا 👋
في اليوم التالي، كانت حصة العلوم تدور حول التجارب الكيميائية البسيطة والآمنة. أحضر الأستاذ خالد كوبًا من عصير الليمون، وآخر من الماء والصابون، وشرائط صغيرة من ورق أزرق خاص اسمه “ورق عباد الشمس”.
قال الأستاذ خالد: “راقبوا جيدًا ما سيحدث.” غمس ورقة في كوب الليمون، فتحولت على الفور إلى اللون الأحمر! ثم غمس ورقة أخرى في الماء والصابون، فتحولت إلى اللون الأزرق الداكن.
نظر إلى التلاميذ وقال: “الآن، سؤالي هو: لماذا تحولت الورقة إلى اللون الأحمر عند وضعها في الليمون؟”
مرة أخرى، ساد الصمت. تذكرت مرام وعدها. شعرت بنفس الخوف، وبدأ قلبها يدق بسرعة. لكن هذه المرة، كان هناك صوت آخر في رأسها يقول: “تذكري وعدكِ يا مرام! أنتِ تستطيعين!”
أخذت نفسًا عميقًا… ثم رفعت يدها. في البداية كانت يدها ترتجف قليلًا، لكنها أبقتها مرفوعة في الهواء.
صوت الفكرة الجميلة 😊
رآها الأستاذ خالد على الفور، وبدا متفاجئًا وسعيدًا. قال بصوت دافئ: “نعم يا مرام؟ تفضلي.”
وقفت مرام، وشعرت بأن كل العيون عليها. للحظة، أرادت أن تجلس مرة أخرى، لكنها نظرت إلى ابتسامة الأستاذ المشجعة وتذكرت وعدها.
قالت بصوت واضح، وإن كان هادئًا: “لأن… لأن الليمون مادة حمضية، والأحماض تحوّل لون ورق عباد الشمس الأزرق إلى اللون الأحمر.”
بعد أن أنهت جملتها، ساد صمت قصير، ثم ابتسم الأستاذ خالد ابتسامة أوسع من أي وقت مضى. قال بحماس: “أحسنتِ يا مرام! يا لها من إجابة دقيقة ورائعة! أنا فخور جدًا بكِ وبشجاعتك اليوم.”
شعرت مرام بدفء جميل يملأ قلبها. لم تكن سعيدة فقط لأن إجابتها كانت صحيحة، بل لأنها تغلبت على خوفها. هذه المرة، كانت الابتسامة موجهة إليها، وكان التقدير من نصيبها. التفتت إليها سارة ورفعت لها إبهامها 👍.
منذ ذلك اليوم، لم تعد مرام تخفي كنوز أفكارها. تعلمت أن الشجاعة لا تعني ألا تخاف، بل تعني أن تحاول رغم خوفك. وكلما رفعت يدها، كانت تشعر بأن فراشة ملونة وجميلة تنطلق من داخلها لتحلق عالياً في سماء الفصل.